الخوف حالة طبيعية تصيب الإنسان في مواقف مختلفة استجابةً لغريزة البقاء والهروب! وجميعنا في مواجهة مفتوحة مع المخاوف التي قد تتحول إلى أفكار وهواجس وسواسية تسيطر على تفكيرنا، ولذلك يجب أن يكون هدفنا ليس التحول إلى أبطال خارقين! بل اكتساب الأدوات اللازمة لإدارة الخوف والتعامل مع المخاوف والهواجس بطريقة صحيحة وفعالة.
كيف أتخلص من الخوف وأصبح واثقاً بنفسي!
أول خطوات التخلص من الخوف نهائياً أن تعيد النظر في سبب مخاوفك وتعيد تقييمها بشكلٍ عقلاني، كما أن الربط بين المخاوف والثقة بالنفس ليس ربطاً دقيقاً، فحتى أكثر الناس ثقةً بأنفسهم لديهم مخاوفهم أيضاً! لكن الطريقة التي يتعاملون بها مع هذه المخاوف هي التي تجعلهم يظهرون بمظهر صلب وقوي وكأنهم لا يشعرون بها أصلاً.
من المقولات التراثية "الناس من خوف الفقر في فقر والناس من خوف الذل في ذل" فالخوف هو المشكلة وليست المخاوف نفسها هي المشكلة، موقفك من هذه الهواجس والمخاوف والأفكار السلبية الوسواسية التي تسيطر عليك أحياناً هو الذي يجب علاجه وتعديله، وإليك الخبر الجيد… تغيير موقفك من هذه المخاوف ليس بالغ الصعوبة حين تدرك أن المخاوف نفسها مشروعة وطبيعية، ورد الفعل هو الذي تجب عليك معالجته!
كيف أطرد الخوف من داخلي وأتخلص من الهواجس!
تبدأ طريقة التعامل الصحيحة مع الخوف بالتدرب على تقنيات توجيه التفكير ومقاومة الأفكار السلبية المسيطرة، وإدارة المشاعر في اللحظات التي يهاجمك فيها الخوف، وأهم هذه الاستراتيجيات والتقنيات:
- فهم أسباب الخوف الذي في داخلك: يبدأ التخلص من الخوف في داخلك من فهم المثيرات التي تجعل هذا الخوف أشد، على سبيل المثال قد يكون وجود شخص سلبي في حياتك سبباً لزيادة الخوف في داخلك من التغيير أو التجربة، وقد تكون تجاربك القاسية في الطفولة سبباً للخوف في داخلك من المواجهة أو الشجار أو المطالبة بحقك.
- تحديد محفزات الخوف داخلك: إن التخلص من الخوف المستمر والهواجس يعتمد أيضاً على تفسير المواقف التي تسبب لك الخوف، فإذا كنت تعاني من الخوف من الناس على سبيل المثال يجب أن تراقب طبيعة التجمعات التي تجعلك خائفاً مقارنة بالتجمعات التي تجعلك مرتاحاً، تحديد المحفزات يساعدك على إيجاد طريقة التخلص من الخوف في داخلك نهائياً.
- التفكير بالاحتمالات الواقعية: بعد تحديد أسباب الخوف ومحفزاته يجب أن تبدأ برسم سيناريو لهذه المخاوف يتضمن الاحتمالات الواقعية بعيداً عن الخيال المفرط، فمثلاً الخوف من الرسوب بمادة دراسية ما هنا يجب السؤال عن الساعات التي تم قضائها في محاولة دراستها وفهمها بالشكل الصحيح وتحديد النسبة المئوية للدروس المنجزة منها وربط الأسباب بالنتائج، ذلك سوف يساعد في معرفة واقعية هذه المخاوف.
- وضع خطة للتعامل مع وقوع ما تخاف منه: بعد فهم مخاوفك وأسبابها والمواقف التي تستثيرها، يمكن وضع خطة للتعامل مع احتمال وقوع ما تخاف منه فعلاً، فإذا كان الخوف داخلك من مواجهة الناس أو من الحديث أمامهم يجب أن تضع نفسك -ذهنياً- في موقف تواجه به الناس وتتحدث إليهم، ماذا ستفعل وكيف ستتصرف، هذا التمرين سيساعدك على التعامل مع الخوف بشكل أفضل.
- تقبل فكرة الفشل والمحاولة من جديد: غالباً ما يكون الفشل هو أهم محاور الخوف في داخلك، الفشل بالدراسة أو العمل أو المواجهة أو إثارة الإعجاب، لذلك عليك تقبل فكرة الفشل فهو شيء طبيعي في الحياة وعليك التفكير في المحاولة من جديد وتذكر أنه لا يوجد نجاح دون إخفاق، والذين لا يعملون هم فقط من لا يفشلون!
- الحديث مع شخص موثوق: قد يكون من الصعب أن تتعامل الخوف بموضوعية وواقعية بمفردك، سيساعدك اللجوء لشخص موثوق من الأقارب أو الأصدقاء أو حتى مختص نفسي على تقييم مخاوفك بشكل أفضل والتعامل معها بطريقة مناسبة.
سبب الخوف من كل شيء!
الخوف من كل شيء يرتبط غالباً بتجارب قاسية وسيئة في مرحلة الطفولة والمراهقة، سلسة من المواقف والمواجهات السلبية والعوامل التربوية والبيئية والوراثية أيضاً التي تجعل الخوف مسيطراً على التفكير والسلوك، وأهم أسباب حالة الخوف المرضي من كل شي:
- مشاكل الطفولة المبكرة: تمثل الطفولة المبكرة أهم مراحل تكوين الشخصية، وقد يرتبط الخوف المرضي من كل شيء بأحداث الطفولة المبكرة مثل إساءة المعاملة والتحرش والحرمات العاطفي وغيرها من العوامل، جرب إجراء اختبار الطفل الداخل من خلال زيارة هذا الرابط: هل تعاني من جروح الطفل الداخلي؟
- المواقف المؤلمة والمحرجة: في كثير من الأحيان يكون سبب الخوف من كل شيء موقف مؤلم أو محرج تعرضنا له أو مجموعة مواقف قد لا نربط بينها بالضرورة، مواقف مثل الإهانة أمام الآخرين والرفض العاطفي والإساءة من المقرّبين… جميعها قد تطور شخصية خوّافة لا ترغب بالمواجهة أو المخاطرة.
- التربية السلبية: من أسباب الخوف القوية العيش في أسرة تقلل من قيمة أفرادها وقدرتهم على الإنجاز والنجاح أو تتعامل بشكل سلبي مع أفكارهم وطموحاتهم، كما أن أساليب التربية السلبية مثل العنف والعقوبات البدنية والنفسية المبالغ بها تخلص مخاوف عميقة وعامة من كل شيء يتطلب مواجهة ولو كانت آمنة!
- التفكير المفرط: قد لا يرتبط الخوف بصدمة أو عقدة نفسية من الطفولة بقدر ما يرتبط بالتفكير المفرط وعدم القدرة على ضبط الأفكار والتحكم بها! إن أي فكرة مهما كانت عادية إذا فكرت بها باستمرار ستتحول لفكرة مثيرة للريبة والخوف، إذا حللت الذهاب إلى المطبخ لشرب الماء ووضعت الكثير من الاحتمالات لهذه الرحلة ستشعر بالخوف بكل تأكيد!
- قلة الخبرة والتجارب: الإنسان عدوّ ما يجهل! وقلة التجارب والخبرة والمعرفة سبب وجيه للخوف من كل شيء، وليس الخوف من الناس إلّا قلة الخبرة في التعامل معهم، وليس الخوف من الفشل إلا بسبب عدم تذوق طعم النجاح بعده، ومواجهة الناس مرة تقضي على الخوف من الناس للأبد!
- اضطرابات الصحة النفسية: يرتبط الخوف المرضي بمجموعة من مشاكل واضطرابات الصحة النفسية، منها الفوبيا والعقد النفسية واضطرابات الشخصية التي تسبب نوبات الهلع والخوف المرضي غير المبرر.
أبرز المخاوف والهواجس التي تسيطر على تفكيرنا
تختلف الأفكار التي يمكن أن تسيطر علينا ويختلف معها درجة أهميتها وطريقة وضع حد لها والسيطرة عليها، وفيما يلي أنواع الأفكار التي يمكن أن تسيطر علينا مع ذكر بعض الأمثلة لكل نوع:
- الخوف من الناس والجمهور: يعتبر الخوف من الناس والجمهور أحد أكثر أشكال الخوف شيوعاً، وهو خوف طبيعي بالمناسبة! حتى الأشخاص المعتادون على مواجهة الجمهور باستمرار تنقبض معدتهم من الخوف في كل مرة قبل الصعود إلى المسرح، وأفضل علاج للخوف من الجمهور هو مواجهتهم والاستعداد جيداً للتعامل معهم!
- الخوف من التغيير: الخوف من التغيير إحدى المشاكل الكبرى التي تواجه الشركات في إدارة العنصر البشري، لا أحد يرغب أن تتبل الأمور المستقرة بشكل مفاجئ، والكثير منا يعاني من مخاوف عميقة من تغير الأحوال، ليس فقط للأسوأ بل أحياناً مجرد التغيير يشكل هاجساً قوياً، وفي الحقيقة يعتبر الخوف من التغيير أيضاً طبيعياً وفطرياً إلى حد ما.
- الخوف من الرفض العاطفي: تتركز المخاوف العاطفية حول الفشل العاطفي أو الشعور بالخسارة والخوف من الفراق والهجر والخيانة وجميعها تصب في الخوف من الرفض! عادةً ما يرتبط القبول العاطفي بقبولنا لذاتنا ورضانا الشخصي، ولذلك الرفض العاطفي طعنة عميقة في الكبرياء.
- الخوف من المواجهة: من أكثر أشكال الخوف شيوعاً الخوف من المواجهات مثل الخوف من المطالبة بحقوقك أو الدخول في مشاجرة أو مواجهة شخص أذاك، وغالباً ما يرتبط الخوف من المواجهة بتدني احترام الذات والشعور بالانكسار والضعف مقارنةً بالآخرين.
- الخوف المرضي من الموت والمخاوف الروحية: الخوف من الموت وما يرتبط به من غموض والخوف من الحساب والآخرة جميعها مخاوف شائعة وطبيعية، لكن البعض يصل به الأمر للخوف المرضي من الموت الذي يعوق الحياة، وعلى عكس ما قد تتوقع فإن الخوف المرضي من الموت والآخرة ليس إيماناً زائداً بل قلة إيمان بعدالة الله وقضائه وقدره!
- الخوف من الفشل الدراسي: المخاوف المتعلقة بالتحصيل الدراسي والتعليم أيضاً تسيطر على الكثير من الشباب، وتتركز حول الخوف من الفشل وعدم الحصول على الدرجات المتوقعة أو تفوّق الآخرين أو العقوبات المرتبطة بالتأخر الدراسي من الأهل.
- الخوف من الفشل في العمل: ومن الهواجس التي قد تسيطر على البعض المخاوف المتعلقة بالعمل والأداء الوظيفي والمستقبل المهني والخشية من عدم الحصول على وظيفة ما أو عدم الحصول على ترقية أو تراجع الإنتاجية ما يؤدي للشعور بالإحباط والاكتئاب في بعض الأحيان..
- المخاوف الاجتماعية: المخاوف المتعلقة بالحياة الاجتماعية والعلاقات المتوترة مع الأصدقاء أو زملاء العمل أو الدراسة أو أحد أفراد العائلة والأقارب كلها قد تسبب شعوراً كبيراً بالقلق عند حدوث مشكلة ما والخوف من نتائجها وانعكاساتها على الفرد لذلك تشغل بال صاحبها وتسيطر على تفكيره.
- أفكار وسواسية تتعلق بالحالة النفسية: يمكن أن يصاب الفرد ببعض الهواجس والمخاوف القهرية المرتبطة بالاضطرابات النفسية، مثل رهاب الميادين واضطراب الشخصية الارتيابية وجنون العظمة واضطراب ما بعد الصدمة وغيرها.
- الخوف من المفاجآت: ومن المخاوف التي يمكن أن تشغل بالنا الحوادث الطارئة مثل التعرض لوعكات صحية أو مشكلة قانونية أو التورط بتجارة خاسرة أو ضياع بعض الممتلكات الثمينة وغيرها الكثير من الحوادث التي يمكن تتحول إلى هواجس تسيطر على التفكير.
نصائح للسيطرة على الخوف والهواجس
- تحديد مهاراتك الخاصة والعمل على تنميتها: تقدير الإمكانيات بشكل صحيح ومحاولة تنميتها مع مرور الوقت ومراكمة الخبرات يساهم في تحقيق النجاحات والوصول للأهداف المرغوبة بدون حدوث ضغوطات كبيرة وتوترات نفسية تسيطر عليها الأفكار السلبية.
- وضع أهداف واضحة لتطوير الذات: يجب عدم التنويع بشكل كبير في الأهداف والتركيز على أهداف تتناسب مع المهارات الموجودة ومحاولة تنميتها، بحيث يتم توجيه الطاقة بشكل كامل نحوها دون حدوث تشتت بالجهد وضياع الطاقة بشكل سلبي.
- تجنب المقارنة مع الآخرين: من الأشياء التي قد تسبب التفكير السلبي وسيطرة المخاوف على التفكير هو المقارنة مع الآخرين، يجب إدراك بشكل دائم أن الظروف تختلف من وقت لآخر ومن شخص لآخر، فركز على ما يتوفر بين يديك وما يمكن أن تحققه به بعيداً عن المقارنة مع الآخرين والتي لن تسبب سوى الضياع والإهمال بشكل أكبر .
- الإيمان بإرادة الله: الإيمان بالله أولاً وبقدراتك ثانياً هو ما يؤدي للشعور بالسكينة والابتعاد عن الأفكار السلبية والمخاوف، لذلك ركز على إيمانك وثقتك بالله وعزز ذلك في التفاؤل والأمل بمستقبل أفضل.
- البحث عن بيئة جديدة: عند الشعور بالضغط والتوتر نتيجة عمل تقوم به مع الشعور بضياع الجهد وعدم التقدير الكافي أو أن هذا العمل لا يحقق مطالبك وطموحاتك، كذلك الأمر في العلاقات الشخصية الضاغطة والسامة.
- تغيير روتين الحياة: قد يساعد اتباع روتين حياة صحي يشمل الغذاء الجيد والنوم الكافي وممارسة بعض الأنشطة الرياضية ولو بشكل خفيف على تحسين الحالة المزاجية والتعامل مع الخوف والهواجس بطريقة أفضل.