الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي "النفسية الجسدية"

الصحة النفسية والعقلية ترتبط بشكل وثيق بصحة الجسد، ويمكن ملاحظة ذلك في حياتنا اليومية من خلال تأثير المشاعر المؤقتة على الحالة الجسدية، وزوال هذه الآثار مع زوال التوتر العاطفي أو المشاعر التي سببتها، لكن الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي قد تكون أكثر تعقيداً في بعض الحالات، وتتحول لآلام مزمنة مرتبطة بحالات نفسية مزمنة وربما غير واضحة بالنسبة للمريض.
كيف يحدث ذلك؟ وهل المرض النفسي يسبب مرضاً عضويّاً أو آلاماً جسدية حقيقية؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في الفقرات التالية.

ما هي الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي؟

هل يسبب المرض النفسي آلاماً في الجسم؟ الجواب هو نعم، المرض النفسي يسبب آلاماً في الجسم وقد يسبب أعراضاً جسدية واضحة ومستمرة، فالأعراض الجسدية غالباً ما ترجع لأسباب نفسية عندما يعجز الأطباء عن تبريرها بأسباب عضوية أو مرضية واضحة.
تعرف هذه الحالة باسم الجسدنة Somatization أو الأمراض النفسية الجسدية psychosomatic، حيث يقوم الجسم بتحويل الألم النفسي إلى آلام جسدية محمولة. وكانت هذه الحالة تعرف باسم متلازمة بريكيت Briquet's syndrome نسبة للطبيب الفرنسي بول بريكيت مكتشف الحالة.
يمكن توضيح فكرة الجسدنة أو الأعراض الجسدية النفسية من خلال تتبع بعض أشكال الجسدنة العرضية، مثل الأعراض الجسدية المصاحبة للضيق النفسي والتوتر أو المشاعر العاطفية كالخوف والغضب، وقد تكون الأعراض الجسدية ذات المنشأ النفسي أعراضاً مؤقتة وبسيطة، لكنها قد تصل أيضاً إلى حالات شديدة مثل الشلل أو نوبات تشبه نوبات الصرع، وتعرف باضطرابات التحويل أو النوبات الكاذبة.

هل الأعراض النفسية الجسدية مجرد أوهام؟

عندما يقول الطبيب أن سبب الألم نفسي قد يبدو هذا طعناً بواقعية الألم، أو اتهاماً للمريض يتوهّم الألم بسبب المشاكل النفسية التي يعاني منها، لكن الحقيقة أن الجسدنة هي عملية حقيقية وواقعية، تنتج عن تحويل الآلام العاطفية والنفسية إلى آلام جسدية يشعر بها المريض فعلاً ولا يتوهّمها، كما أن تحويل الألم النفسي إلى ألم جسدي عملية غير واعية وخارجة عن سيطرة المريض.
قد يحتمل الأمر بعض الشك بالنسبة للآلام الداخلية التي يشكو منها المريض ولا يمكن تتبعها بسهولة، لكن في بعض حالات الجسدنة قد تتحول الآلام النفسية والعاطفية إلى أمراض خطيرة، مثل أمراض المناعة الذاتية كالصدفية والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي. [1,2]

الآلام الجسدية غالباً ما ترجع لأسباب نفسية!

في دراسة واسعة أجريت على مدى ثلاث سنوات وعلى 1000 مريض، أشارت النتائج أن 16% فقط من المرضى يشكون من آلام لها أسباب جسدية واضحة، وباقي المرضى -أي 84% منهم- ارتبطت لديهم الآلام الجسدية بأسباب نفسية أو على الأقل لم يكن لها أسباب عضوية واضحة، كما أن 55% من المرضى حصلوا على علاج طبي للأعراض لم يكن فعالاً في أغلب الحالات، وأبرز الأعراض التي رصدتها الدراسة الصداع والغثيان وألم الصدر واضطرابات الهضم والتنميل والخدر، وغيرها من الأعراض الشائعة في عيادات الطب الباطني. [3]

أسباب الأعراض الجسدية ذات المنشأ النفسي

أسباب اضطراب الجسدنة والأعراض النفسية الجسدية غير واضحة، وغالباً ما تنتج الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي عن خلل في عمل الجسم والنظام الهرموني تحت تأثير الحالة النفسية، كما يمكن تحديد بعض العوامل الأساسية المؤثر بالأعراض النفسية الجسدية على النحو التالي:

الأعراض الجسدية ذات المنشأ النفسي

هناك العديد من الأعراض والآلام الجسدية ذات المنشأ النفسي والتي يصعب تعقب أسبابها العضوية أو المادية، جميع هذه الأعراض قد تكون مؤشرات حقيقية لوجود مشكلة صحية كامنة لا صلة لها بالحالة النفسية، لكنها في نفس الوقت أعراض شائعة لاضطراب الجسدنة:

تشخيص الأعراض الجسدية النفسية

الخطوة الأولى في تشخيص الجسدنة والآلام الجسدية ذات المنشأ النفسي؛ هي استبعاد أي أسباب عضوية مباشرة للمرض والأعراض، وعادةً ما يبدأ الطبيب في البحث عن تفسير مادي للأعراض الجسدية، وعندما يعجز عن إيجاد التفسير سيحاول الربط بين الحالة النفسية للمريض والأعراض الجسدية التي يعاني منها.
سؤال الطبيب عن الحالة النفسية لا يعني التقليل من واقعية الألم أو اتهام المريض بتوهّم الألم -وإن كان ذلك ممكناً في بعض الحالات- وإنما يهدف تحليل الحالة النفسية للمريض إلى تحديد الأسباب النفسية الكامنة التي تحوّلت إلى أعراض جسدية، كخطوة أولى في تحديد طريقة العلاج. [5]

علاج الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي

تكمن صعوبة التعامل مع الأمراض الجسدية النفسية باستهتار بعض المرضى والأطباء بالأسباب النفسية للأمراض، واعتمادهم بشكل كامل على الأدلة المادية والتشخيص السريري العضوي، ما قد يكلف المريض الكثير من الوقت والمال دون الحصول على نتائج مفيدة، وعلى الجانب الآخر قد يبالغ بعض المرضى والأطباء بتعليل الآلام الجسدية بالأسباب النفسية، ما قد يفوّت فرصة إنقاذ حياة المريض من نوبة قلبية لأنه يظن أن آلام الصدر ناتجة عن التوتر وكل ما يحتاجه هو القليل من الاسترخاء!

Exit mobile version