تربية الأبناء بدون أم وتأثير غياب الأم عن الطفل
الأم هي الشخص الأهم تقريباً في حياة الطفل، من الناحية التربوية والعاطفية والنفسية وتلبية الحاجات الأساسية، ففقدان الأم في حياة الطفل لأي سبب كان يؤثر بشكل كبير على تربية الطفل، وعملية تربية طفل بعيداً عن أمه تحتاج للكثير من الجهد وتظافر جهود من حوله، بدأً من تلبية حاجاته وليس انتهاءً بتعويضه عن مشاعر النقص الناتجة عن بعده عن والدته، في هذا المقال سوف نتحدث عن كيفية تربية الطفل بدون أم.
هل يستطيع الأب أن يقوم بدور الأم في التربية؟
لا شك أن دور الأمّ مهم جداً في التربية ولا يستطيع الأب بمفرده القيام بدور الأم التربوي أو تعويض غيابها، مع ذلك يمكن للأب تعويض غياب الأم قدر الممكن من خلال فهم دورها في حياة الأبناء والأمور التي سيفتقدها الأطفال في غياب والدتهم سواء كان هذا الغياب مؤقّتاً أو دائماً، وتلعب المرحلة العمرية للأطفال وجنسهم والبيئة العائلية قبل غياب الأم وبعده دوراً كبيراً في نجاح هذه المهمة أو فشلها!
على وجه العموم لا يجب أن يسعى الأب للعب دور الأم في حياة أبنائه، بل إلى تعويضهم عن غيابها من موقعه كأب! وحتى في حال الاستعانة بإحدى السيدات القريبات كالجدة أو العمة أو الخالة، أو حتى زواج الأب مرة ثانية، لا يجب أن يسعى أحد ليكون أمّاً بديلة للأطفال، بل التركيز على تلبية حاجات الطفل العاطفية والمادية والمعنوية التي يفتقدها في غياب الأم.
كيفية تربية الأبناء في غياب الأم
- تمضية وقت أطول مع الطفل: عند غياب الأم لا يمكن ترك الطفل وحيد سواء للعناية به وتلبية حاجاته أو حتى لا يشعر الطفل بالوحدة، وهنا يأتي دور الأب في تواجده مع طفله بشكل أكبر والعناية الشخصية بشؤونه تحضير الطعام له وتناوله معه، متابعة واجباته الدراسية، اللعب والتسلية معه، أخذه للتنزه أو للأماكن المحببة للطفل.
- فهم حاجات الأبناء وكيفية التعامل معها: عند غياب الأم لأي سبب يصبح الأب مضطراً لفهم حاجات الأطفال وكيفية التعامل معها، وهنا عليه تعلم هذه المسائل سواء من أحد المقربين الأكثر خبرة أو من البرامج والمؤسسات المختصة بهذه الحالات، يجب أن يتعلم متى يجب أن يأكل الطفل وما هي حجم الوجبات وعددها متى يجب أن ينام وكيف يستيقظ، كيفية الحفاظ على نظافة الطفل من استحمام وحفاض وغيرها، متى يجب أن يتعلم الطفل تناول الطعام وحده، متى يمكنه المشي، متى يتعلم الكلام، والكثير غيرها.
- إعادة ترتيب الأولويات: للتواجد وقت أكبر مع الطفل يصبح على الأب في حال غياب الأم إعادة ترتيب طريقة حياته وعمله واهتماماته ونشاطاته، فيصبح عليه أن ينظم وقته مع وقت الطفل، أن يضعه في الروضة في وقت العمل ويذهب لإيصال أو إعادته، إعادة ترتيب أوقات الخروج تأمين مكان لوضع الطفل في حال اضطر الأب للخروج بدونه، تنظيم مواعيد نومه واستيقاظه بما يتناسب مع مواعيد الطفل.
- المزج بين الحنية والحزم: في حال وجود الأم غالباً ما يأخذ الاب دور السلطة الحازمة وتأخذ الأم دور الصديقة الحنونة التي تتفهم رغبات الطفل وتحاول إرضائه، وفي حال غياب الأب يصبح على الأب أن يقوم بالدورين معاً، فمن جهة يجب أن يكون محب لطفله ويعامله بحنية وعاطفة، ولكن ذلك لا يعني السماح بأي وإهمال الجانب التربوي الذي يحتاج لبعض الحزم أحياناً دون قسوة.
- بناء علاقة خاصة مع الطفل: عند غياب الأم وخاصة في حال عدم وجود أخوة أكبر سناً قد يشعر الطفل بالوحدة وهذه الوحدة تزيد من تأثير غياب أمه وقد يشعر بالحزن الدائم والملل والاكتئاب، لذا يتوجب على الأب التقرب أكثر من طفله في هذه الحالة وبناء علاقة خاصة معه كصداقة، يلعب معه ويخرج معه وإن أمكن يأخذه للعمل في بعض الأحيان معه، يتحدث معه ويجب عن أسئلته الكثيرة، ينام بجانبه ويحكي له قصص مفيدة ومسلية.
- الحفاظ على نظام المنزل: عادة يكون وضع روتين يومي ونظام للمنزل من مهام الأم، يما يتعلق بأوقات الطعام وأوقات التسلية أو مشاهدة التلفاز وأوقات الدراسة وأوقات النوم وأوقات العناية بنظافة المنزل وغيرها، وغياب الأب قد يسبب بعض الفوضى في هذه المسائل، وهنا يجب على الأب وضع نظام للمنزل يضمن استمراره بشكل جيد وعدم انتشار الفوضى التي قد تؤثر على الطفل من نواحي كثيرة.
تأثير غياب الأم على تربية الطفل
قد يكون غياب الأم أكثر صعوبة بالنسبة للطفل من غياب الأب في كثر من الحالات، فبعيداً عن المشاعر والعواطف يوجد حاجات أساسية للطفل لا يمكن تلبيتها إلا من قبل الأم وذلك وقفاً لعمر الطفل وعدة عوامل أخرى، ويمكن ذكر تأثيرات غياب الأم عن تربية الطفل فيما يلي:
- صعوبة تلبية الحاجات الأساسية للأطفال: بشكل عام تعتبر المرأة أكثر قدرة على فهم الأطفال وحاجاتهم والتعامل معها بشكل أسرع، فإذا كان الطفل لم يتعلم الكلام بعد تعتبر الأم أكثر قدرة على فهم متطلباته من خلال بكائه أو الأصوات التي يصدرها، كما أن حاجات مثل الرضاعة الطبيعية والعناية بالنظافة الشخصية والعناية باللباس ومكان النوم وغيرها، بالإضافة لتعليم الطفل كيفية قضاء الحاجة ودخول الحمام وتناول الطعام، أشياء تعد الأمهات أكثر خبرة في تلبيتها.
- الشعور بنقص بالحاجات العاطفية: الأم تمثل الدور الحنون المحب للأطفال، فهي التي تعانق دون سبب وتقبل طفلها بعد أي فعل يقوم به وتشعره بالمحبة، فالمرأة بطبيعتها أكثر عاطفية من الرجل وقادرة على إيصال هذه المشاعر بشكل أفضل، وحرمان الطفل من أمه يسبب نقص كبير في هذا الجانب لدى الطفل خاصة إذا لم يعرف الأهل كيفية تعويض هذا النقص.
- شعور البنات بفراغ في غياب أمّهن: بالإضافة لدور الأم في حياة الأبناء بشكل عام، يعتبر دورها أكثر حساسية وأساسية بالنسبة للأطفال الإناث، وخاصة عند خروجها من مرحلة الطفولة المبكرة وبدأ وعيها بجنسها وذاتها، فهي بهذه الأثناء تكون أكثر حاجة لأمها لتعلمها أي شيء عن طبيعة الإناث وأجسادهن وحاجاتهن وكيفية التعامل مع هذه المسائل، فالأب لا يعد دائماً قادر أن يحل محل الأم في هذه الأمور.
- فقدان الشعور بالاهتمام: جرت العادة على أن تكون وظيفة العناية بالأطفال منوطة بالأمهات أكثر من الآباء، بينما توقف دور الأب على تأمين المتطلبات الخارجية للمنزل والأطفال، وهذه العادة أدت لتطور قدرات المرأة في التعامل مع الأطفال بشكل أكبر من الرجل، فالرجل ينظر لحاجات الطفل على أنها مادية كالطعام والشراب والملبس والدفء وغيرها، ويصعب عليه فهم ضرورة شعور بالطفل بالحب والاهتمام وقد تكون طبيعة عمل الأب هي ما يجعله عاجز عن القيام بهذه المهمة كما تفعل الام، وهنا يؤدي غياب الأم لفقدان الشعور بالاهتمام وما يرافق هذا الشعور من فقدان للثقة بالنفس وتقدير الذات وما يترتب على ذلك من عواقب نفسية في شخصية الطفل.
- ضعف الانضباط في المنزل: على الرغم أن دور الأب عادةً ما يكون أكثر فاعلية في تحقيق الانضباط في المنزل وتعتمد الأم على رهبة الأب وسطوته في فرض القواعد، لكن غياب الأم غالباً ما يحدث فجوة كبيرة بالتزام الأبناء بقوانين المنزل، خصوصاً إذا كان الأب كثير الغياب عن البيت، ما قد يجعله منقطعاً بشكل كبير عن تفاصيل حياة الأبناء اليومية.
- الشعور بالخجل الاجتماعي: من آثار غياب الأم عن الأطفال أنهم قد يشعرون بدرجة من الخجل الاجتماعي لا ترتبط دائماً بالسبب وراء غياب الأم، حيث يشعر الأبناء بالنقص بين أقرانهم لأن أمهم غير موجودة، وربما بالغيرة والحسد تجاه الأطفال الآخرين الذين ينعمون بحياة تبدو مثالية، لذلك جزء أساسي من تعويض غياب الأم في منح الأطفال الثقة بأنفسهم والاهتمام العاطفي والمعنوي والمادي الكامل.
- تراجع جودة الحياة: غالباً ما يسبب غياب الأم مشاكل كثيرة في روتين الحياة اليومية للأطفال، من حيث الاهتمام بتغذيتهم وملبسهم ونظافة البيت والاهتمام بدراستهم وحل مشاكلهم، ما ينعكس بشكل كبير على جودة الحياة، فقد يعتمد الأب أكثر على الأطعمة الجاهزة ويكون أقل اهتماماً بحاجة الأبناء للمتابعة الدراسية والاهتمام بالملبس والمظهر والعلاقات الاجتماعية لأطفاله، وأقل قدرة على التواجد معهم في أوقات مهمة.
- توتر العلاقة مع الأب: قيد يحمّل الأبناء والدهم مسؤولية غياب الأم، سواء كان سبب الغياب الانفصال أو الوفاة أو الانتقال للعمل في دولة أخرى أو غير ذلك، فيشعر الأبناء أن الأب ليس عاجزاً فقط عن تعويض دور الأم، بل هو مسؤول بدرجة ما عن غيابها، ما يجعل مسؤولية الأب أصعب في تربية الأبناء بمفرده.
نصائح لتربية الطفل في غياب الأم
- الاستعانة بمربية إذا كان الطفل صغيراً: إذا كان الطفل صغير جداً أو بمرحلة الرضاعة قد لا يستطيع الأب التعامل معه وتلبية حاجاته، وهنا ليس من الخطأ الاستعانة بمربية خبيرة في التعامل مع الأطفال، ويفضل أن تكون هذه التربية مقربة من العائلة، أو اختيارها بشكل جيد لمنع أي تأثير سلبي لها على الطفل، وعدم الاعتماد عليها تماماً ونسيان الأب لواجباته.
- طلب المساعدة العائلية: في كثير من الجوانب قد لا يتمكن الأب من العناية بشؤون طفله كلها لوحده، ويمكن لأفراد عائلة الأب أو الأم إن وجدوا أن يقدموا بعض المساعدة، سواء في تعليم الأب كيفية التعامل مع الطفل أو حلول الجدة أو الخالة أو العمة مكان الأم في الأمور التي تحتاج امرأة وخاصة بالنسبة للأطفال الإناث، أو وضع الطفل عندهم في أوقات عمل الأب إذا كان لدى الأب عمل بظروف خاصة أو كان الطفل أصغر من أن يوضع في الحضانة ومؤسسات الرعاية.
- دمج الطفل في أنشطة عائلية واجتماعية: حتى لا يشعر الطفل بالوحدة والغربة الناتجة عن فقدان الأم التي عادةً تصطحب الطفل بالزيارات العائلية والأنشطة الاجتماعية، يمكن للأب أن يقوم بهذا الدور مثل الذهاب بين الحين والآخر لزيارة الأقارب أو وضع الطفل في معاهد ونوادي للأنشطة المختلفة إذا كان بالعمر المناسب.
- تعليم الطفل المسؤولية والاعتماد على الذات: إذا كان الطفل في عمر مناسب يمكن تعليمه بعض المسؤوليات الخاصة به أو المشاركة بالمسؤوليات المنزلية، فهذا من جهة يساعده على تلبية بعض حاجاته في ظل غياب والدته، ومن جهة أخرى يحسن من ثقته بنفسه وعدم الشعور بالحاجة للآخرين.
- تحقيق رغبات الطفل بحكمة: للأطفال الكثير من المتطلبات والرغبات، وتسعدهم أشياء بسيطة وتلهيهم عن المشاعر السلبية والمشاكل التي يعانوا منها، والنقص الذي يشعر به الطفل نتيجة فقدان والدته ينتج عنه فراغ كبير ومزاج سيء، ويمكن لتلبية بعض الأشياء التي يحبها مثل اتباع لعبة معينة أو رياضة أو نشاط أو شراء بعض الأشياء المحببة أن يشعر بالسعادة لبعض الوقت ويبعده عن المشاعر السلبية.
التعامل مع اشتياق الطفل لأمه الغائبة
- الأم بالنسبة للطفل أكثر من مجرد تربية أو تلبية احتياجات، فهي تقدم عاطفة تقدم حب وحنان تقدم الكثير من الأشياء التي يصعب تعويضها، وهذا كله يفتقده الطفل في حال غياب الأم، ويجب أن يتم تعويضه عن هذه المشاعر، ويتم ذلك من خلال:
- زيادة الاهتمام بالطفل: الأم تمثل الاهتمام بالنسبة للطفل والحنية، وعند فقداتها يشعر بالشوق لها نتيجة افتقاده لشيء ما عادةً ما تفعله الأم، وهنا يجب العمل على معرفة هذه الأشياء التي ليست بالضرورة حاجات مادية والاهتمام فعلاً بتقديمها للطفل وتعويضه عن هذه الأشواق لأمه.
- اهتمام أحد أفراد العائلة بالطفل: يمكن لسيدة من سيدات العائلة ويجب أن تساعد في تقديم بعض الحب والحنان للطفل الفاقد لوالدته، ومعاملته كأم فعلاً، فهو طفل صغير وشعور فقدان الأم أمر صعب جداً عليه، وهو يحتاج فعلاً للمساندة، التي قد لا يستطيع الرجل تقديمها.
- الاستعانة بمختص اجتماعي: في بعض الحالات قد ينتج في شخصية الطفل بعض المشاكل الاجتماعية أو العاطفية والنفسية بسبب افتقاده لأمه وشوقه لها، وإذا لم يستطيع المحيطين بالطفل التعامل مع هذا الموضوع، فيمكن الاستعانة بمختص اجتماعي يساعد الطفل ويساعد عائلته على تجاوز هذا الأمر.
- مساعدة الطفل في فهم الواقع وتقبله: يجب أن يعرف الطفل سبب فقدانه لوالدته، وكيف عليه أن يتقبل ذلك ويتعامل معه، يجب أن يتعلم كيف يستمر وأن أمه لو كانت موجودة فهي سوف تريد له أن يكون سعيد ومستمتع بحياته وبأفضل حال، ويجب أن يعلم أن جميع من حوله من أبيه وأفراد عائلته يقفون إلى جانبه ويريدون مساعدته.
- الحديث عن الأم مع الطفل: يمكن أن يتحدث الأب مع طفله عن الأم بين الحين والآخر، حتى يشعر الطفل بحبها وحنانها حتى وهي بعيدة عنه، صحيح أن هذا قد يزيد من أشواقه لها، ولكن في نفس الوقت يشعر بوجودها في حياته ولو من خلال الكلمات فقط.