تم النشر اليوم 2024/06/16 | حياة الخنساء ورثاها في 6 أشعار هامة .. كيف تحوّلت حياتها لمجموعة من المآسي؟

الخنساء

الخنساء هي تماضر بنت عمرو السلمية والتي توّفيت في العام الرابع والعشرين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي صحابية، وشاعرة فذة، تتداول العرب دواوينها الشعرية والمرثيات التي قالتها جرّاء المآسي التي عاشتها في الحياة، في هذا المقال، نعيش سوياً دقائق ممتعة مع الخنساء وشعرها ودواوينها، وعرض حياتها من خلال مشاهد هامة في حياتها، فهيا بنا نعيش تلك الجوّلة معها.

من هي الخنساء؟

قبل أن نتحدث عن مشاهد حياة الخنساء وشعرها الفذ الرائع والمرثيات التي لن نجد لها مثيل في الشعر العربي، فإنه يجدر بنا التعريف بالخنساء، فهي تماضر بنت عمرو السلمية التي ولدت في الجاهلية ونبغت في اللغة والفصاحة والشعر، واصبحت من افضل الشعراء في منطقة نجد وقد عرفت بمرثياتها الرائعة لصخر ومعاوية أخويها اللذين قتلا قبل انتشار الإسلام.
أدركت الخنساء الإسلام وشرح الله قلبها إليه، وحسن إسلامها وكما نابغة في الجاهلية استمرت على نبوغها في الإسلام، وأدركت النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت أحداث عظيمة من تاريخ الإسلام في بدايته والفتوحات التي قام بها المسلمون في البلدان المجاورة.
يذكر لنا التاريخ العديد من الموّاقف والمآسي التي أدركتها الخنساء وعاشت فيها وتأثرت بها، ومن هذه الموّاقف مقتل أخويها صخر ومعاوية في الجاهلية، والشعر التي نطقت به والرثاء الذي قالته وكأن قلبها كان يحترق لوعة وفراقاً وحزناً على أخويها.

موت معاوية أخيها .. بداية الرثاء الخجولة

لقد تأثرت قريحة الخنساء الشعرية كثيراً بما حدث لأخويها من قبل ثم بعد ذلك، وفيما يلي العديد من المشاهد التي تدل على قسوة حياة الخنساء.
لم تكن الخنساء هي ذاتها الشاعرة الأولى للعرب في الرثاء، بل كانت تتبع عادات العرب في الرثاء عموماً، حيث قامت برثاء أخيها معاوية الذي قتل على يد قبيلة كانت بينها وبينه ثأر، فقد قتل شر قتلة، وبالرغم من العلاقات غير القوية بين تماضر وبين أخيها معاوية إلا انها رثته وحزنت عليه كثيراً بسبب قتله على يد أعدائه،

وقالت شعراً مريراً في رحيله مثل:
أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ مُعاوِيَه
إِذا طَرَقَت إِحدى اللَيالي بِداهِيَه
بِداهِيَةٍ يَصغى الكِلابُ حَسيسَها
وَتَخرُجُ مِن سِرِّ النَجِيِّ عَلانِيَه
أَلا لا أَرى كَالفارِسِ الوَردِ فارِساً
إِذا ما عَلَتهُ جُرأَةٌ وَعَلانِيَه
وَكانَ لِزازَ الحَربِ عِندَ شُبوبِها
إِذا شَمَّرَت عَن ساقِها وَهيَ ذاكِيَه
وقَوّادَ خَيلٍ نَحوَ أُخرى كَأَنَّها
سَعالٍ وَعِقبانٌ عَلَيها زَبانِيَه
بَلَينا وَما تَبلى تِعارٌ وَما تُرى
عَلى حَدَثِ الأَيّامِ إِلّا كَما هِيَه
فَأَقسَمتُ لا يَنفَكُّ دَمعي وَعَولَتي
عَلَيكَ بِحُزنٍ ما دَعا اللَهَ داعِيَه

موت صخر بن عمرو .. وميلاد شاعرة العرب الخنساء .. 7 أشعار هامة

زادت الآلام والأحزان على الخنساء بسبب مقتل صخر بن عمرو أخيها، فقد مات صخر وهو الذي كان سنداً قوياً لتماضر أخته، وكانت تحبه وعلاقتها به قوّية أكثر من أخيها معاوية، حيث كان صخر من الشجعان العظام والذي قتل في إحدى الغزوات قبل الإسلام، وقد تأثرت الخنساء، وزادت من أحزانها، وقد يكون هذا هو الميلاد الحقيقي للشاعرة العظيمة بين شعراء العرب، وهي الخنساء، والتي اشتهرت بالعديد من الأشعار التي قالتها في مقتل صخر ورثاه والقول في أخلاقه، ومن أشعارها مثلاً:
القصيدة الأولى
ألا اِبكي عَلى صَخرٍ وَصَخرٌ ثِمالُنا
إِذا الحَربُ هَرَّت وَاِستَمَرَّ مَريرُها
أَقامَ جَناحَي رَبعِها وَتَرافَدوا
عَلى صَعبِها حَتّى اِستَقامَ عَسيرُها
بِبارِقَةٍ لِلمَوتِ فيها عَجاجَةٌ
مَناكِبُها مَسمومَةٌ وَنُحورُها
أَهَلَّ بِها وَكفُ الدِماءِ وَرَعدُها
هَماهِمُ أَبطالٍ قَليلٌ فُتورُها
فَصَخرٌ لَدَيها مِدرَهُ الحَربِ كُلَّها

وَصَخرٌ إِذا خانَ الرِجالُ يُطيرُها
مِنَ الهَضبَةِ العُليا الَّتي لَيسَ كَالصَفا
صَفاها وَما إِن كَالصُخورِ صُخورُها
لَها شَرَفاتٌ لا تُنالُ وَمَنكِبٌ
مَنيعُ الذَرى عالٍ عَلى مَن يُثيرُها
لَهُ بَسطَتا مَجدٍ فَكَفٌّ مُفيدَةٌ
وَأُخرى بِأَطرافِ القَناةِ شُقورُها
مَنِ الحَربُ رَبَّتهُ فَلَيسَ بِسائِمٍ
إِذا مَلَّ عَنها ذاتَ يَومٍ ضَجورُها
إِذا ما اِقمَطَرَّت لِلمَغارِ وَأَيقَنَت
بِهِ عَن حِيالٍ مُلقِحٍ مَن يَبورُها
القصيدة الثانية
يُؤَرِّقُني التَذَكُّرُ حينَ أُمسي
فَأُصبِحُ قَد بُليتُ بِفَرطِ نُكسِ
عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ
لِيَومِ كَريهَةٍ وَطِعانِ حِلسِ
وَلِلخَصمِ الأَلَدُّ إِذا تَعَدّى
لِيَأخُذَ حَقَّ مَظلومٍ بِقِنسِ
فَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِجِنٍّ
وَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِإِنسِ
أَشَدَّ عَلى صُروفِ الدَهرِ أَيداً
وَأَفصَلَ في الخُطوبِ بِغَيرِ لَبسِ
وَضَيفٍ طارِقٍ أَو مُستَجيرٍ
يُرَوَّعُ قَلبُهُ مِن كُلِّ جَرسِ
فَأَكرَمَهُ وَآمَنَهُ فَأَمسى
خَلِيّاً بالُهُ مِن كُلِّ بُؤسِ
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً
وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ
وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي
عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي
وَلَكِن لا أَزالُ أَرى عَجولاً
وَباكِيَةً تَنوحُ لِيَومِ نَحسِ
أَراها والِهاً تَبكي أَخاها
عَشِيَّةَ رُزئِهِ أَو غِبَّ أَمسِ
وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن
أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي
فَلا وَاللَهِ لا أَنساكَ حَتّى
أُفارِقَ مُهجَتي وَيُشَقُّ رَمسي
فَقَد وَدَّعتُ يَومَ فِراقِ صَخرٍ
أَبي حَسّانَ لَذّاتي وَأُنسي
فَيا لَهفي عَلَيهِ وَلَهفَ أُمّي
أَيُصبِحُ في الضَريحِ وَفيهِ يُمسي
القصيدة الثالثة
يا عينِ جودي بالدّموعِ الغِزَارْ
وأبكي على أروعَ حامِي الذّمارْ
فرعٍ منَ القومِ الجدى
أنْماهُ منهُمْ كلُّ محضِ النِّجارْ
أقولُ لمّا جاءَني هُلْكُهُ
وصرَّحَ النَّاسُ بنجوى السّرارْ
أُخَيّ! إمّا تَكُ وَدّعْتَنَا
فَرْعٍ منَ القَوْمِ كريمِ الجَدا

فرُبّ عُرْفٍ كنْتَ أسْدَيتَهُ
إلى عيالٍ ويتامى صغارْ
وربَّ نعمى منكَ أنعمتها
على عُناةٍ غُلَّقٍ في الإسارْ
أهْلي فِداءٌ للّذي غُودِرَتْ
أعْظُمُهُ تَلْمَعُ بَينَ الخَبارْ
صَريعِ أرْماحٍ ومَشْحوذَة
كالبرقِ يلمعنَ خلالَ الدّيارْ
مَنْ كانَ يَوْماً باكياً سَيّداً
فليبكهِ بالعبراتِ الحرارْ
ولتبكهِ الخيلُ إذا غودرتْ
بساحةِ الموتِ غداةَ العثارْ
وليبكهِ كلُّ أخي كربة
ضاقتْ عليهِ ساحةُ المستجارْ
رَبيعُ هُلاّكٍ ومأوى نَدًى
حينَ يخافُ النَّاسُ قحطَ القطارْ
أسْقَى بِلاداً ضُمّنَتْ قَبْرَهُ
صَوْبُ مَرابيعِ الغُيوثِ السَّوارْ
وما سؤالي ذاكَ الاَّ لكي
يسقاهُ هامٍ بالرَّوي في القفارْ
قُلْ للّذي أضْحَى بهِ شامِتاً
إنّكَ والموْتَ، مَعاً، في شِعارْ
القصيدة الرابعة
بَكَت عَيني وَعاوَدَها قَذاها
بِعُوّارٍ فَما تَقضي كَراها
على صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ
إِذا ما النّابُ لَم تَرأَم طِلاها
فَتى الفِتيانِ ما بَلَغوا مَداهُ
وَلا يَكدى إِذا بَلَغَت كُداها
حَلَفتُ بِرَبِّ صُهبٍ مُعمِلاتٍ
إِلى البَيتِ المُحَرَّمِ مُنتَهاها
لَئِن جَزِعَت بَنو عَمروٍ عَلَيهِ
لَقَد رُزِئَت بَنو عَمروٍ فَتاها
لَهُ كَفٌّ يُشَدُّ بِها وَكَفٌّ
تَحَلَّبُ ما يَجِفُّ ثَرى نَداها
تَرى الشُمَّ الجَحاجِحَ مِن سُلَيمٍ
يَبُلُّ نَدى مَدامِعِها لِحاها
عَلى رَجُلٍ كَريمِ الخيمِ أَضحى
بِبَطنِ حَفيرَةٍ صَخِبٍ صَداها
لِيَبكِ الخَيرَ صَخراً مِن مَعَدٍّ
ذَوُو أَحلامِها وَذَوُو نُهاها
القصيدة الخامسة
قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ
أمْ ذرَّفتْ أخلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ
كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ
فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ
وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ استارُ
تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ
لها علَيْهِ رَنينٌ وهيَ مِفْتارُ
تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا
إذْ رابهَا الدَّهرُ أنَّ الدَّهرَ ضرَّارُ
لاَ بدَّ منْ ميتةٍ في صرفهَا عبرٌ
وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَأطوارُ

قدْ كانَ فيكمْ أبو عمرٍو يسودكمُ
نِعْمَ المُعَمَّمُ للدّاعينَ نَصّارُ
صلبُ النَّحيزةِ وَهَّابٌ اذَا منعُوا
وفي الحروبِ جريءُ الصّدْرِ مِهصَارُ
يا صَخْرُ وَرّادَ ماءٍ قد تَناذرَهُ
أهلُ الموارِدِ ما في وِرْدِهِ عارُ
مشَى السّبَنْتى إلى هيجاءَ مُعْضِلَة
لهُ سلاحانِ: أنيابٌ وأظفارُ
وما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطيفُ
بِهِ لها حَنينانِ: إعْلانٌ وإسْرارُ
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ، حتّى إذا ادّكرَتْ
فانَّما هيَ إقبالٌ وَإدبارُ
لاَ تسمنُ الدَّهرَ في أرضٍ وَانْ،
رتعتْ فإنَّما هيَ تحنانٌ وَتسجارُ
يوْماً بأوْجَدَ منّي يوْمَ فارَقني
صخرٌ وَللدَّهرِ أحلاءٌ وَأمرارُ
وإنّ صَخراً لَوالِينا وسيّدُنا
وإنّ صَخْراً إذا نَشْتو لَنَحّارُ
القصيدة السادسة
أَلا يا عَينِ فَاِنهَمِري بِغُدرِ
وَفيضي فَيضَةً مِن غَيرِ نَزرِ
وَلا تَعِدي عَزاءً بَعدَ صَخرٍ
فَقَد غُلِبَ العَزاءُ وَعيلَ صَبري
لِمَرزِئَةٍ كَأَنَّ الجَوفَ مِنها
بُعَيدَ النَومِ يُشعَرُ حَرَّ جَمرِ
عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ
لِعانٍ عائِلٍ غَلَقٍ بِوَترِ
وَلِلخَصمِ الأَلَدِّ إِذا تَعَدّى
لِيَأخُذَ حَقَّ مَقهورٍ بِقَسرِ
وَلِلأَضيافِ إِذ طَرَقوا هُدوءً
وَلِلمَكَلِ المُكِلِّ وَكُلِّ سَفرِ
إِذا نَزَلَت بِهِم سَنَةٌ جَمادٌ
أَبِيَّ الدَرِّ لَم تُكسَع بِغُبرِ
هُناكَ يَكونُ غَيثَ حَياً تَلاقى
نَداهُ في جَنابٍ غَيرِ وَعرِ
وَأَحيا مِن مُخَبَّأَةٍ كَعابٍ
وَأَشجَعَ مِن أَبي شِبلٍ هِزَبرِ
هَرَيتِ الشَدقِ رِئبالٍ إِذا ما ع
َدا لَم تُنهَ عَدوَتُهُ بِزَجرِ
ضُبارِمَةٍ تَوَسَّدَ ساعِدَيهِ
عَلى طُرقِ الغُزاةِ وَكُلِّ بَحرِ
تَدينُ الخادِراتُ لَهُ إِذا ما
سَمِعنَ زَئيرَهُ في كُلِّ فَجرِ
قَواعِدُ ما يُلِمُّ بِها عَريبٌ
لِعُسرٍ في الزَمانِ وَلا لِيُسرِ
فَإِمّا يُمسِ في جَدَثٍ مُقيم
بِمُعتَرَكٍ مِنَ الأَرواحِ قَفرِ
فَقَد يَعصَوصِبُ الجادونَ مِنهُ
بِأَروَعِ ماجِدِ الأَعراقِ غَمرِ
إِذا ما الضيقُ حَلَّ إِلى ذَراهُ
تَلَقّاهُ بِوَجهٍ غَيرِ بَسرِ
تُفَرَّجُ بِالنَدى الأَبوابُ عَنهُ

وَلا يَكتَنَّ دونَهُمُ بِسِترِ
دَهَتني الحادِثاتُ بِهِ فَأَمسَت
عَلَيَّ هُمومُها تَغدو وَتَسري
لَوَ أَنَّ الدَهرَ مُتَّخِذٌ خَليلاً
لَكانَ خَليلَهُ صَخرُ بنُ عَمرِو
في نهاية عرض تلك القصائد والأشعار التي قالتها الخنساء، فإنه من القليل من الشعراء أن يحمل مثل هذه المشاعر الصادقة وتعبّر عنها شعراً، لقد كانت مآسي الخنساء عائلية وحقيقية، وهو ما أكسب شعرها طعماً آخر، وصدقاً ربما يكون مبالغاً فيه، وهو ما حاولنا عرضه خلال السطور القليلة القادمة وعرض بعض أشعارها حول رثاء أخويها.